الأحد، 8 يوليو 2012

مصياف إذ تشيع

غفار عيساوي  | جريدة ‏طلعنا عالحرية

ليس محمود إلا مواطناً بسيطاً آخر، شخصاً من العامة، لم يتجاوز الخامسة والعشرين، ترعرع وسط عائلة لطيفة تربيه على المثل العليا وتحاول قدر الإمكان تطبيقها، متزوجٌ حديثاً، يشاهد التلفاز ويذهب إلى عمله وإلى السوق، قد يشترك محمود بهذه الصفات البسيطة مع ملايين السوريين، هذه الصفات أيضاً هي ما جعلته يشبه ملايين السوريين، إنه ابن الثورة.

لم يستطع شهيدنا محمود الشيحاوي السكوت عن الظلم والجور الذي ألحقه النظام الاسدي بأخوته في سوريا، كان يعبر عن تململه من سكوت مصياف، دافع عن الثورة بكلمات بسيطة كما الحقيقة، “خاين اللي بيقتل شعبو”، علمت أجهزة الموت  بأمره واعتقلته، لم تستطع سوريا الاسد أن تحتفي بكلمة محمود، لم تستطع أن تصمت عنها ،بل تحول وسواسها القهري “الأسد أو نحرق البلد” إلى حقيقة، فعاد في كفن.
استشهد محمود تحت التعذيب، لم يبخلوا على جسده  بشتى أنواع التعذيب، المثقب الذي يستعمل للجدران، الأسلاك الحديدة الناعمة، لم يضطروا لاقتلاع أظافره فقد قطعوا أصبعه، ليموت بسبب الجلطة! هذا ما قاله الأمن لوالدته، أرادوها أن تصرخ: “قتلولي وحيدي” .

قتلوه، قتلوا الوحيد لأمه، قتلوا الزوج الحديث، قتلوا الأب لطفل يقضى في بطن أمه شهره الرابع، قتلوا محمود الشيحاوي، صرخت أمه، سمعت مصياف الصرخة لتكون أمه الثانية، تجمع شباب مصياف أمام بيته بعد وصول الخبر  غير مصدقين، لم تنقض إلا ساعات قليلة لتتحول الساحة المقابلة لبيت الشهيد إلى حي حمصي آخر، ساحة تدوّرها حلقات الرقص على أنغام السكابا، ساحة تصرخ، الأكتاف مشدودة والموج الشبابي الهادر يملئ المدى بصراخه، مصياف التي لم تستطع أن تسقط النظام في مظاهراتها السابقة غنت سكابا وحييت الجيش الحر، أسقطت النظام ونصبت مشنقة الرئيس، مصياف، لعنت روحه.

شيعت مصياف مع شهيدها الموت، خلقت من موت محمود حياتها، شاهدت السوريين على الشاشات، وتعلمت منهم كيف يخلق التشييع حياة، تعلمت من دوما وداريا وسراقب وحمص كيف يكون الشهيد ترياق حياة، كيف يرسم الموت ودم الشهداء أفق الحرية القريب، كيف يبني وحل الموت جسم الوطن، لم تبالي مصياف بالضريبة الكبيرة التي قد تدفعها، مصياف ذات الحساسية الطائفية انتصرت للحرية، مصياف المدينة الأقلوية قمعت خوفها، بل وغيرت رأيها، مصياف انضمت إلى الأغلبية السياسية المستميتة من أجل الحرية.

استشهد محمود لكن مصياف لم تشييعه وحده بل شيّعت في طريقها مقولة الكتلة الصامتة، لتقول ما قالته المزة عندما غصت بمتظاهريها أن لا صامت في سوريا وأن هؤلاء الصامتين معارضون يتحينون الفرصة ليشقوا المدى بهتافاتهم وليعبروا عما منعتهم حساسيات الدين والتاريخ والجغرافيا من قوله!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق